أعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء:1]، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70-71]. أما بعد،فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
طبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته، إخواناً على سرر متقابلين، أسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، هذا لقاء من لقاءات مواعظ القلوب، العلاج الذي لا بد منه لقسوة القلوب، فقسوة القلوب مرض خبيث، يقعد عن الخير، ويصد عن الهداية.
قال الله
{ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... }[الزمر: 22 ]، القلوب ما بين رقة وقسوة، إذا رقّة تذكرت علام الغيوب، وإذا قست نست فكان لا بد لها من التذكير، إذا غفلت لا بد من مواعظ القرآن، والمواعظ النبوية. مواعظ القرآن التي تحيي القلوب القاسية لأن كلام الرحمن لو تنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله. نحن في لقاء بعنوان "
أين دارك غداً"،أنت الآن تسكن القصر الفسيح، وتقطن الدار الرحيبة، وغداً ستكون في مكان آخر طال الزمان أو قصر
فليس للمرء دار بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
إن بناها بخير طاب مســــكنه إن بناها بشر خاب بانيها
إن مواعظ القرآن أعظم ما يحيي القلوب، والمواعظ النبوية الموجزة البليغة من أعظم المواعظ التي تحيي القلوب. فتعال !!!! أعطني السمع والقلب والجوارح والأركان نمرُّ في موعظة قرآنية. قال الله جل في علاه:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:5 -6]، ترى ما الذي غرَّ الناس من الدنيا، ترى ما الذي غرّهم من الدنيا، وهذه سهامها تصيب كل يوم أحدهم بسهم "وهو" إلى القبر المظلم المطبق عليه، سالكاً سبيل من سبقوه من الأموات الهالكين وقد خرقت القبور منهم الأكفان، ومزقت الأبدان، ومصت الدم، وأكلت اللحم، تُرى ما صنعت بهم الديدان؟! أليست قد محت الألوان؟! وعفرت الوجوه الحسان ؟! كسرت "الفقار"، وأبانت الأعضاء، ومزقت الأشلاء، أليس الليل والنهار عليهم سواء؟! أليسوا في مدلهمة ظلماء؟! قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة إلى المضايق. إن المنادي كل يوم يناديك.. يا ساكن القبر غداً ما الذي غرّك من الدنيا... أين دارك الفيحاء؟ أين رقاق ثيابك؟ ليت شعري كيف ستصبر على خشونة الثرى وبأي خديك يبدأ البلى..
والموت فاذكره وما ورائك فما لأحد عنه براءة
وإنه للفيصل الذي به يعرف ما للعبد عند ربه
والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران
إن يك خيرا فالذي من بعده خيرٌ عند ربنا لعبده
وإن يك شراً فما بعده أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد
قال سبحانه:
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ *فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ *وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات : 19-39]. وقال سبحانه:
{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ }[المؤمنون : 54-56 ]، وقال سبحانه
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[السجدة : 12-14]، إنها المواعظ القرآنية التي تحيي القلوب
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57 ]. نعم أيها الغالي، القرآن ومواعظ القرآن هي علاج قسوة القلب، إذا غفل القلب فلا يحيا إلا بمواعظ القرآن، وليس أحسن للقلب من مداومة ذكر الله، بشرط أن يتواطأ القلب واللسان، ليس أحسن من سماع المواعظ النبوية والتدبر والعمل بما تسمع يا رعاك الله، حتى ننتفع بالمواعظ لا بد من العمل قال سبحانه:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }[ النساء: 66-68 ]، فبالإتباع هدىً وثبات واستقامة وحياة لأولي الألباب.
القبر أعظم موعظة، ما وقف على القبر واقف إلا تذكر، ما نظر على القبر ناظر إلا تفكر، هي الدار التي ستسكنها طال الزمان أو قصر، ثم بعد السكنى الثانية ستخرج من تلك الدار،
{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } [ المعارج: 43-44]، لاحظ الفرق حين تغادر فراشك في سفر أو في رحلة قريبة كيف يصيبك الأرق ويصيبك من الهم والغم.فارقت موضع مرقدي .. يوما ففارقني السكون .. القبر أول ليلة بالله قلي ما يكون
القبر أول منازل الآخرة، لماذا الحديث عن القبر؟! لأن في القبر يتحدد المصير .. إما إلى جنة وإما إلى نار القبور على نوعين أيها الغالي، القبور على نوعين أيتها الغالية:
إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، لا بد من الاستعداد، لا بد من عمار الدار قبل سكناها. عندما تموت و تموتين سيتبعكِ ويتبعكَ ثلاثة:
العمل،
والمال،
والولد، سترجع الدنيا وما فيها، وستبقى رهين العمل.
من وجدا خيراً فليحمد الله، ومن وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
قال صلى الله عليه وسلم:"
ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وقال الناظم:
فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة وإلا فإني لا إخالك ناسيا
عند ابن ماجه عن البراء قال
:"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جِنازة فجلس على شفير القبر فبكى{ بأبي هو وأمي بكى وأبكى} حتى بلَّ الثرى ثم قال: يا إخواني لمثل هذا فأعدُّوا"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. دخل أحد العباد وهو كعب القرضيّ على عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة فجعل ينظر في وجهه فإذا هو وجه شاحب وبدن ناحل كأن جبال الدنيا قد تساقطت عليه. فقال: يا عمر ما الذي دهاك؟ يا عمر ما الذي أصابك؟ والله لقد رأيتك أجمل فتيان قريش، تلبس الليّن، وتجلس على الوفير، ليّن العيش، نضر البشرة، والله يا عمر لو دخلت عليك في غير هذا المكان ما عرفتك! فتنهد عمر باكياً وقال: أما إنك لو رأيتني بعد ثلاث ليالٍ من دفني ،وقد سقطت العينان وانخسفت الوجنتان وعاثت في الجوف الديدان وتغير الخدان لكنت لحالي بحالي أشد إنكاراً وعجباً!
فبكى عمر وبكى الناس حتى ضجّ مجلسه بالبكاء ..
بكى عمر من حاله في القبر.. ونحن على ماذا نبكي؟بكى عمر بن عبد العزيز من حاله في القبر .. ونحن على ماذا نبكي؟ { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة:82]، {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }[النجم : 59-62 ].ضعوا خدي على التراب ضعـوه ومن عفّر التراب فوسـدوه
وشقوا عنـه أكـفاناً رقـاقـاً وفي الرمـس البعيـد فغيبـوه
فلـو أبصرتموه إذا تقضّـت صبيحـة ثالث أنكرتمـوه
وقـد سـالت نواظـر مقلتيـه على وجنـاته وانفضّ فوه
ونـاداه الـبلى هـذا فـلان هلمّـوا فانظـروا هل تعرفوه
حبيبكم وجاركم المفدّى تقـادم عهــده فنسيتـموه
هل سمعت؟ هل سمعتِ عن القبر وضمته؟
عند النسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"
هذا الذي تحرك له عرش الرحمن وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يعني سعد بن معاذ، وقال في حديث آخر:"
إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. سعد وما أدراك ما سعد؟ سعد الذي اهتز له عرش الرحمن عند وفاته، سعد الذي شيّعه سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض قط، سعد الذي فتحت له أبواب السماء، سعد سيد الأوس والخزرج، سعد الذي منديل من مناديله في الجنة خير من الدنيا وما فيها، هذا حال سعد!! فكيف سيكون حالي وحالك ؟ لقد ضُمّ ضَمّة ثم فرج عنه..
سبحــــــانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة!سبحــــــانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة! ونقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة النساء والجواري والغلمان إلى مقاساة الديدان والهوان، ومن التنعم بأنواع الطعام والشراب، إلى التمرغ في أنواع الوحل والتراب، وقف علي رضي الله عنه على القبور فنادى أصحابها:
أتخبرونا أخباركم أم نخبركم أخبارنا. أما أخبارنا فإن الأموال قد اقتسمت، والنساء قد تزوجت، والمساكن قد سُكنَت، قال سبحانه:
{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ *كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}[الدخان : 25-29]، وقال سبحانه
{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}[الشعراء : 205-207 ].يا ابن آدم القبر كل يوم يناديك!
يا ابن آدم تمشي في جماعة على الأرض، وسوف تقع وحيداً في بطني!
يا ابن آدم تفرح وتمرح على ظهري، وسوف تبكي في بطني!
يا ابن آدم تأكل أموال الربا والحرام واليتامى على ظهري وسوف يأكلك الدود في بطني!
يا ابن آدم تنظر إلى الحرام بعينيك وسترى ما ينتظرك في بطني!
يا ابن آدم تسمع الحرام بأذنيك وستسمع الأهوال في بطني!
يــا ساهي! يــا غافل! سيحملك أهلك وأخلاؤك إلى تلك الحفرة سيتبعك مالك وولدك وعملك، سيرجع الكل وسيبقى العمل، ستتزوج الزوجة من بعدك، وسيتقاسم الأولاد أموالك، وأنت! وأنت! ينــــــادى عليك: رجعوا وتركوك، وفي التراب وضعوك، وللحساب عرضوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقى لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }[الانفطار : 6-12 ]. كأني بك تنحــط إلى اللحد وتنغــط
وقد أسلمك الرهــط إلى أضيق من الفــم
هناك الجسم ممــدود ليستأكله الــدود
إلى أن ينخر العــود ويمسي العظــم قد رن
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[ التكاثر: 2]، ستسمع قرع نعالهم، وستبقى وحيداً فريداً إلّا من العمل،هناك ستمتحن امتحان شديد ،وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان،امتحانات الدنيا تعوض والفرص تعطى مرات ومرات،لكن قلي بالله العظيم كيف سيكون الحال إذا ظهرت النتائج هناك؟ كيف سيكون الحال إذا وسدوك؟ وجاءك الملكان وأقعدوك؟
عن البراء بن عازب قال:
"كنّا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وجلسنا عند القبر ولم يلحّد بعد وكانت بيده صلى الله عليه وسلم عصا نكس بها على التراب ثلاثا ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة _يعني في ساعات الاحتضار_ جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة وجلسوا منه مد البصر وجاء ملك الموت عليه السلام وجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى رب راض عنك وغير غضبان "فتخرج روحه ما يسري من القطر من السقاء" فإذا قبضها ملك الموت لم تدعّها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه ذلك الكفن الذي من الجنة ويحنطوه بذلك الحنوط الذي من الجنة فتخرج منه رائحة كأطيب رائحة مسك وجدت على وجه الأرض ثم يعرج به إلى السماء فما يمرون على نفر من الملائكة إلا قالوا: من هذه الروح الطيّبة صاحبة الريح الطيب، فيقال: هذا فلان بن فلان ينادى بأحب أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا حتى إذا وصلوا إلى باب السماء استفتحوا له، فتح له، ثم يشيعه مقربوا تلك السماء إلى السماء التي تليها حتى إذا وصل إلى السماء السابعة نادى منادي الله أن اكتبوا كتابه في عليين وأرجعوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في قبره فيأتيه ملكان أنفاسهما كاللهب أبصارهما كالبرق الخاطف أصواتهما كالرعد القاصف، فيقعدانه، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هو ذلك الرجل الذي بعث فيكم ؟ أما المؤمن فيقول: ربي الله حقاً ونبي محمد صدقاً وديني الإسلام، فيقال له وما علمك؟ فيقول تعلمت القرآن و عملت به، فتظهر النتيجة، فينادي منادي الله أن قد صدق، فافرشوا له فراشاً من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة فيأتيه من روحها وريحانها، ويوسع له في قبره مد البصر، فيأتيه رجل أبيض الوجه، طيب الشمائل، فيقول من أنت؟ فوجهك والله الذي لا يأتي إلا بالخير، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك الصالح، فيقول: ربي أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. هذا حال من؟ هذا حال المؤمن الذي حافظ على الصلوات وترك النواهي والمحرمات
. أما العبد الكافر، أما العبد الفاجر إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة _يعني في ساعات الإحتضار_
جاءته ملائكة سود الوجوه معهم كفن من أكفان النار، وحنوط من حنوط النار، وجلسوا منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت عليه السلام فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها الروح الخبيثة، صاحبة الريح الخبيث، أبشر بسخط من الله وغضب، فتسل روحه كما ينزع "القبوط" من القطن _يعني الحديد المتشابك_
فإذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين، حتى يلبسوه ذلك الكفن الذي من النار، ويحنطوه بذلك الحنوط الذي من النار، فتخرج منه رائحة كأنتن رائحة على وجه الأرض، ثم يعرج به إلى السماء، فما يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: من هذه الروح الخبيثة صاحبة الريح الخبيث؟ فيقال: هذا فلان بن فلان، ينادى بأقبح أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا، حتى إذا جاءوا إلى أبواب السماء واستفتحوا له، لم يفتح له، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }[ الأعراف : 40-41 ] ثم ينادي منادي الله أن اكتبوا كتابه في سجين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في قبره، فيقعدانه، فيسألانه: من ربك؟ فيقول: هاه ..هاه لا أدري فيخر في الأرض سبعين خريفا، حتى إذا أفاق أقعداه وقالا له: وما دينك..؟ فيقول هاه.. هاه.. لا أدري، فيضربانه حتى إذا أفاق، قالا له: ومن ذلك الرجل الذي بُعث فيكم ؟ فيقول: سمعت الناس يقولون كذا وكذا . فيقال له :لا دريت ولا تليت فتظهر النتيجة ينادي منادي الله أن كذب، فافرشوا له فراشاً من النار وألبسوه لباساً من النار وافتحوا له باباً من النار، فيضيق عليه في قبره حتى تختلج أضلاعه، فيأتيه رجل قبيح المنظر قبيح الريح فيقول من أنت؟ فوجهك والله الذي لا يأتي إلا بالشر فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد أنا عملك السيئ، فيقول:رب لا تقم الساعة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].هذا حال من..؟
حال الذين ضيعوا الصلوات، وارتكبوا الفواحش والمنكرات!
حالهم يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول!
حالهم يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل!
حالهم يبكون فلا يستجاب لهم، ينادون فلا يسمع كلامهم!
{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[فاطر:37]، أورد الذهبي في كتاب الكبائر: قصة رجل ماتت أخته فقبرت ودفنت ثم ذهب إلي بيته، فتبين له أنه فقد كيساً من الذهب فراجع حساباته، فتبين له أنه سقط في القبر حين كان يحفر ويدفن رجع، ونبش القبر فإذا بالقبر نار تتأجج، رجع إلى أمه خائفاً باكياً وجلاً، أماه أختي تقية نقية ما علمت عليها سوء كيف وقد وجدت قبرها نار تتأجج؟؟ اسمع يا صاحب القلب! اسمع قبل فوات الأوان.. اسمع وراجع الحسابات قبل أن تبكي دماً..
قالت الأم: أختك كانت تؤخر الصلاة عن وقتها، هكذا إن كان حال الذين يؤخرون، فكيف سيكون حال الذين ينامون عن الصلوات ؟ كيف سيكون حال الذين لا يصلون؟ كم سمعنا عن وجوه قد اسودت كم سمعنا عن أبدان قد تقطعت
{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ *ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[الأنفال : 50-51 ]. مر رجل على قصر من القصور اجتمع عليه نفر وملأ من الناس فقال: ما الخبر؟ قالوا: إن الأمير قد بنى هذا القصر وجمع الناس فقال لهم أعطي أي واحد منكم ما شاء إذا قال لي أن في هذا القصر عيب، زيّن القصر وملأه بالمتاع والأثاث ثم جمع الناس لينظروا فمر رجل بصير فرأى الاجتماع فسألهم: فقالوا :الأمير بنى القصر وقال: من يأتي بعيب فيه فله كذا وكذا قال من غير أن أدخل القصر إن في القصر عيبان:
أولهما:سيفنى القصر وسيفنى صاحبه. عش ما بدا لك جاهداً في ظل شاهقة القصـــور
يغدى عليك بما اشتهيت من الرواح إلى البكـــور
فإذا النفوس تقعقعت في ظل حشرجة الصـــدور
هنـاك تعلم موقنــا ما كنت إلا في غــرور
قال سفيان:
من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار.
قيل لبعض الزهاد: ما أبلغ العظات؟، قال:
النظر إلى محلة الأموات.
وسأل رجل أحمد: ما يرقُّ قلبي؟ قال:
أدخل المقبرة.
قال آخر:
ما اشتقت إلى البكاء إلا خرجت إلى المقابر.
وما أعظم قول الصادق المصدوق في موعظة بليغة موجزة:"
ألا إني قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ما أحوجنا أن نخلوا آحاداً آحاداً، في ذلك المكان اخلع النعال وانزل وسِّر بين تلك القبور والأجساد فيهم الأغنياء وفيهم الفقراء وفيهم الصغير وفيهم الكبير الحال سواسية.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ...}[يونس: 57 ]، حتى تستفيد من الموعظة افعل ما توعظ به، ألا إني قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها حياة للقلوب الغافلة، إن في زيارتها تذكير للغافل والناسي والساهي، والقبر لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ولا يعرف غنياً ولا فقيراً الكل في ذلك المكان مرتهن بالعمل الذي عمله وبالعمل الذي قدمه . فاتق ِ الله أمة الله.. واتق الله عبد الله .. اتق الله أيها الشاب في شبابك .. واتق الله أيها الشيخ في شيبتك . والله الذي لا إله إلا هو إن الذي حال بين الناس والتوبة والصدق في التوبة "طول الأمل"، طال الأمل أساء العمل قال سبحانه:
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }[ الحجر:3 ]وغـره طـول الأمـــل
المــوت يأتــي بغتـة
والقبـر صنــدوق العمل
اللهم هون علينا الموت والقبر وظلماته، هون علينا السؤال وشدته، هون علينا اللحد وضمّته. اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت، وبشهادة عند الموت، وبرحمة بعد الموت، يا رب العالمين. اللهم ارحم ضعفنا، وتقصيرنا، وإسرافنا في أمرنا، يا رب العالمين. اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، ويسر أمورهم. اللهم آنس وحدتهم، ونور ظلمتهم، اللهم أبدلهم داراً خيراً من دارهم، وأبدلهم أهلين خيراً من أهليهم. اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، تحت التراب وحدنا ،إذا نسينا الأحباب، وفارقنا الأهل والأصحاب.
اللهم كن لنا عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً، يا رب العالمين. اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير، واعفوا عنا الكثير، وتقبل منا اليسير، إنك يا مولانا نعم المولى ونعم النصير. اللهم اجمع شملنا، أصلح ولاة أمورنا، انصر من نصر الدين ،واخذل من خذل عبادك الموحدين. اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الموحدين. انصر المجاهدين في كل مكان، ثبت أقدامهم، اربط على قلوبهم، أفرغ عليهم صبراً، يا رب العالمين. عجل بنصرهم يا قوي يا عزيز، اكبت عدوك وعدوهم، فإنهم لا يعجزونك يا جبار السماوات والأراضين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. استغفر الله العظيم. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.